الباب الأول: المدخل
تعريف مقاصد الشريعة
مقاصد الشريعة لغة: جمع مَقْصدَ، يقال: قَصَدَ يقْصِد قصْدًا ومَقصَدًا.
القصْد يأتي في اللغة لمعان:
1- الاعتماد، والأمُّ، وإتيان الشيء، والتوجّهُ
2- استقامة الطريق
3- العدل، والتوسط، وعدم الإفراط
4- الكسر
مقاصد الشريعة اصطلاحا:
1– ابن عاشور: المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة.
۲- علال الفاسي: الغاية والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها.
٣- الريسوني: الغايات التي وُضِعَتِ الشريعةُ لأجل تحقيقها لمصلحة العباد.
مقاصد الشريعة في القرآن والسنة
– القرآن
إن القرآن هو أساس الشريعة الإسلامية وأصلها، وعند الرجوع إلى القرآن نجد أنه قد بين مقاصد الشريعة في مواضع كثيرة. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- مقصد رفع الحرج:
قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ البقرة:185
وهذا واضح في أن “رفع الحرج” من مقاصد الشريعة الإسلامية.
2- مقصد إخلاص العبادة لله وحده:
قوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينه:5
3- مقصد العدل في الأقوال والأفعال:
هذه المقاصد تقرر في نصوص القرآن في أكثر من آية من ذلك قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } النحل:90
وقوله : {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } الأنعام:152
والعدل كما هو في المعاملات بإيصال الحقوق إلى أهلها وعدم هضم الناس حقوقهم، كذلك يكون في العبادات بسلوك الطريق الوسط فيها وتأديتها كما كان النبي يؤديها.
4- مقصد النهي عن الفساد والإفساد:
من المقاصد العامة المقررة في القرآن مقصد النهي عن الفساد والإفساد.
قوله تعالى:{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } الأعراف:56
أهمية المقاصد في فهم القرآن وتفسيره
وبيان أهمية المقاصد الشرعية في فهم القرآن من وجهين:
١- أن القرآن قد اشتمل على آيات متشابهات.
٢-أنه ذكر في بعض الآيات مقاصد شرعية كثيرة وبعضها مرتب على بعض، بعضها مقصود قصدا أصليا، وأخرى مقصودة بالتبع، وبعضها مقيدة في السنة.
فإن المعرفة برتب المقاصد يجعل المكلف يعنى بما كان أهم منها بقدر استطاعته، وإذا علم المقاصد الأصلي من التابع فإنه يسعى في تحقيق الأصلي وبه يستقيم فهم النصوص القرآنية والعمل بها. فإذا نظر الناظر في القرآن ولم يكن على دراية بمقاصد الشريعة كاملة كتابا وسنة حصل الخلل في فهمه من هذا الباب من حيث أهمل مقاصد نصوص أخرى مبينة أو مستقلة.
– السنة
أشار رسول الله إلى مقاصد تشريع الأحكام منها:
1- مقصد الاسـتـئـزان:
قال رسول الله: إنما جعل الله الإذن من أجل البصر. رواه مسلم
هذا الحديث قاله الرسول أثناء بيانه لهذه الآية الكريمة:
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النور:27
2- مقصد التيسير:
قال رسول الله حينما بعث وفوده إلى الأمصار:
إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين. رواه البخاري
3- مقصد الحفاظ على النظافة
قال رسول الله: إذا قام أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخله في الإناء ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده. رواه الستة
هذا الحديث يبين سر الحث على غسل اليد عند الاستيقاظ من النوم قبل ادخالهها في الإناء وذلك لضمان نظافة الماء.
دور السنة في فهم مقاصد الشريعة
يتلخص في النقاط التالية:
١-إن الشريعة مبناها على الكتاب والسنّة، فإذا أغفل الناظر في المقاصد النظر في السنّة فقد أغفل جزأ من الشريعة لم يتعرف على مقاصده.
٢-إن السنّة مبيّنة للمراد من الكتاب.
٣-إن أعلم الناس بمقاصد القرآن هو رسول الله وإذا كان كذلك كانت الحاجة ماسة إلى الاطلاع على أقواله.
٤-إن السنّة استقلت ببعض الأحكام التي لم توجد في القرآن.
٥-أما السنّة الموافقة أو المؤكدة فتفيد في معرفة المقاصد من جهة أن تكاثر النصوص وتواردها على معنى واحد يعطي أهمية لذلك المعنى.
الباب الثاني: صلة المقاصد بالمصطلحات الأصولية
–القياس
هو إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت.
من خلال تعريف القياس نعلم أنه لا بد للقياس من علة جامعة بين الفرع والأصل، وأن هذه العلة ركن من أركن القياس وقد اشترط الأصولون فيها أن تكون مشتملة على المناسبة.
أي أنه يحصل من ترتيب الحكم عليها جلب مصلحة أو دفع مفسدة وعرفوا المناسب بأنه عبارة عن وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم.
فمن المباحث التي تعرضوا لها مما يتعلق بالمقاصد :
1-تقسيم المناسب باعتبار حصول المقصود من شرع الحكم به.
2-تقسيم المناسب باعتبار شهادة الشرع.
3-تقسيم المناسب باعتبار ذات المناسب.
4-وكذلك تعرضوا للمناسبة في مسلك الدوران الوجودي والعدمي .
5-وكذلك تعرضوا للمناسبة في قوادح العلة.
5- ومن المباحث التي بحثها الأصوليون في القياس التعليل بالحكمة وهي التي لأجلها صار الوصف علة.
– الإجماع
هو اتفاق مجتهدي أمة محمد في عصر من العصور بعد وفاته على حكم من أحكام شرعية.
وتظهر أهميتها من ناحيتين أيضا:
معرفة المقاصد شرطا في الاجتهاد والاجتهاد شرط في الإجماع.
فإن حصول الإجماع متوقف على معرفة مقاصد الشريعة.
إن الإجماع قد يستند إلى نص وقد يستند إلى اجتهاد ورأي، وهذا الاجتهاد قد يكون مبنيا على مقاصد الشريعة ومصالحها فتكون الحاجة في هذه الحالة إلى المقاصد ضرورية.
– المصالح المرسلة
تنقسم المصالح من حيث اعتبار الشرع لها وعدمه إلى ثلاثة أقسام:
1-المصالح المعتبرة:
وهي المصالح التي شهد الشرع باعتبارها.
2-المصالح الملغاة:
وهي المصالح التي ليس لها شاهد اعتبار من الشرع بل شهد الشرع بردها وإلغائها.
3-المصالح المرسلة:
وهي المصالح التي لم يقم دليل خاص من الشارع على اعتبارها ولا على إلغائها، ولكن دلت الأدلة العامة على اعتبارها.
ومن الشروط التي ذكرها العلماء للعمل بها:
1-أن تكون ملائمة لمقاصد الشريعة.
2-أن تكون هذه المصلحة الحقيقية عامة أي ليست مصلحة شخصية.
3-ألا تعارض نصا من الكتاب أو السنة أو الإجماع.
4-أن يكون العمل بها في غير الأمور التعبدية.
– الاستحسان
هو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص.
العلاقة بين المقاصد والاستحسان
1) علاقة الاستحسان بالمقاصد قوية، ذلك لأن الاستحسان ترك القياس لدليل آخر أقوى منه فكأنه من هذه الحيثية يعود إلى الأدلة الأخرى.
2) إن الاستحسان بالنظر إلى كونه استثناء من القياس الكلي الذي يؤدي التزامه إلى الحرج والضيق والمشقة، فإنه بهذا الاعتبار يرجع إلى رعاية مقاصد الشريعة.
3) رجوع الاستحسان إلى مقاصد الشريعة بجميع أقسامه.
4) من المعلوم أن النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا.
ووجه دخول الاستحسان تحت قاعدة المآلات أن التزام الدليل العام أو القاعدة العامة يؤدي إلى الحرج والضيق ويؤول إليه. والاستحسان ترك الدليل العام نظرا إلى مآله، واعتبارا به فرجع الاستحسان في حقيقته وجوهره إلى مقاصد الشريعة.
– سد الذرائع
الذريعة هي الوسيلة إلى شيء.
سد الذرائع هو منع ما ظاهره الإباحة يتوصل به إلى فعل محظور.
العلاقة بين المقاصد وسد الذرائع
إن من أكثر الأدلة التصاقا وارتباطا بالمقاصد سد الذرائع، وبيان ذلك من وجوه:
1- إن سد الذرائع في نفسه مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية.
2- إن في سد الذرائع حماية لمقاصد الشريعة، لما فيه من جلب المصالح ودرء المفاسد.
3- إن سد الذرائع يرجع إلى اعتبار المآل، واعتبار مآل الأفعال من المقاصد المهمة في الشريعة.
ومما يدل على اعتبار المآل، الأدلة الشرعية والاستقراء التام أن المآلات معتبرة في أصل المشروعية، كقوله تعالى :يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( سورة البقرة: 21 )
فبين في الآية مآل الفعل، وهو التقوى.
علاقة المقاصد بفتح الذرائع
تقدم الكلام عن ضرورة سد الذرائع المفضية إلى المفاسد المفضية إلى تضييع مقاصد الشريعة ولابد من التأكيد هنا عن ضرورة فتح الذرائع المؤدية إلى جلب المصالح وتحقيق المقاصد التي لا تحصل إلا بها.
Pandangan anda dihargai
تحية الى كل طلبة ضهر المهراز